في هذا المقال نسلط الضوء على المدرســة العموميــة المغربيــة التي تمر (بأزمــة تعلــم). وتؤكــد التقييــمات التــي تســتخدم الروائــز الممعــيرة، ســواء منهــا الوطنية،«كالبرنامــج الوطنــي لتقييــم المكتســبات (PNEA)»، أو الدوليــة، مثل«الاتجاهــات الدوليــة في دراســة الرياضيــات والعلــوم (TIMSS )، أو الدراســة الدوليــة لقيــاس مــدى التقــدم في القــراءة (PIRLS)، أو «البرنامــج الــدولي لتقييــم الطـلاب (PISA)» ضعـف مسـتوى مكتسـبات وكفايـات عـدد لا يســتهان بــه مــن التلامــذة، وخصوصاً في مســتوى التعليــم
الأســاسي(1).
هذا وعلـى الرغـم مـن كـون هـذا الضعـف يعـود إلى عـدة عوامـل، فــإن العديــد مــن الأعــمال الأكاديميــة تتفــق عــى أهميــة «عامــل الأســتاذ» الــذي يؤثــر بشــكل قــوي في مكتســبات التلامــذة وإنجازاتهــم. وثمــة اتفــاق واســع عــى أن جــودة النظـام التربـوي رهينـة بجـودة أسـاتذته. وفي المقابـل، وبشـكل غــير مبــاشر، لا يمكــن لجــودة الأســاتذة أن تتجــاوز جــودة السياسـات العموميـة التـي تشـكل بيئـة عملهـم في المدرسـة،
وتوجــه انتقاءهــم، وتوظيفهــم، وتطورهــم، وترقيهــم(2).
ومراعــاة للأهميــة البالغــة التــي يكتســيها دور الأســاتذة في جـودة التعليـم، جعلـت الرؤيـة الإسـتراتيجية للإصـلاح 2015- 2030 مــن تجديــد مهــن التعليــم، وتكويــن الأســاتذة، أحــد الركائـز الرئيسـية للإصـلاح. ففـي الرافعـة التاسـعة، وضعـت تحسـين أداء الأسـاتذة عـى رأس الأولويـات التـي مـن شـأنها الارتقــاء بجــودة المدرســة المغربيــة، وتحســين أدائهــا. وقــد حـددت هـذه الرؤيـة الإسـتراتيجية، التـي تؤكـد عـى مهننـة الفاعلـين التربويـين، عـدداً مـن المبـادئ والتوصيـات التـي يجب أن تهيـكل عمليـة تجديـد مهـن التربيـة والتكويـن. وأول إجـراء أوصـت بـه هـو إعـادة تحديـد المهـام، والأدوار، والمواصفـات المتعلقـة بهـذه المهـن، بمـا يسـاير متطلبـات المجتمـع، وتطـور
وظائـف المدرسـة وخدماتهـا في المغـرب وعـبر العـالم.
ومــن جهتــه، أفــرد القانــون الإطــار 51-17، المتعلــق بنظــام التربيــة والتكويــن والبحــث العلمــي، ســت مــواد للمــوارد البشريــة. ويبــدو أن الظرفيــة الاقتصاديــة مواتيــة للــشروع في هــذا الإصـلاح. ذلـك أن تحـول البنيـة العمريـة للأسـاتذة التـي تميـل نحــو التشــبيب التدريجــي، ومخطــط وزارة التربيــة الوطنيــة والتكويــن المهنــي والتعليــم العــالي والبحــث العلمــي الــذي يـروم توظيـف أكـر مـن 000 200 أسـتاذ في أفـق عـام 2030 مـن أجـل تلبيـة احتياجـات المنظومـة التربويـة، يتيحـان فرصـة مهمـة لضـخ أسـاتذة بمواصفـات جديـدة في النظـام التربـوي؛ وهـو مـا مـن شـأنه أن يسـاهم في تجديـد المدرسـة المغربيـة.
غـير أن الإجـراءات المرافقـة لخطـة التوظيـف هـذه، وخاصـة في السـنوات الأخـيرة، لم تـرق إلى مسـتوى الانتظـارات، بسـبب الـتردد الـذي طبـع تخطيـط الحاجـة إلى الأسـاتذة، والطريقـة المتسرعــة التــي تــم بهــا توظيفهــم مــن قبــل الأكاديميــات الجهويــة للتربيــة والتكويــن، والــذي تــم في ظــل ظــروف غــير مواتيــة، وقــر مــدة التكويــن الــذي لم يخضــع لأي تنظيـم مسـبق. وبالفعـل، فقـد أدى توظيـف الأسـاتذة عـى عجــل، خاصــة في ســنة 2016 بســبب الزيــادة الكبــيرة في أعـداد التلامـذة المتمدرسـين، إلى عـدم الانسـجام الـذي ميـز، منــذ أكــر مــن عقــد مــن الزمــن، السياســات العموميــة في مجــال تدبــير هيئــة التدريــس. تشــهد عــى ذلــك التغــيرات المتتاليـة والمفاجئـة التـي عرفتهـا سياسـات توظيـف الأسـاتذة وتكوينهـم: كإنشـاء المراكـز الجهويـة لمهـن التربيـة والتكويـن (CRMEF) في سـنة 2012، والفصـل بـين التكويـن والتوظيـف في سـنة 2015، والتوظيـف بموجـب عقـود في سـنة 2016، (ثـم التخـي عـن نظـام العقـود)، وإعـادة هيكلـة التكويـن ابتـداء مـن سـنة(3) 2018 (الإجـازة في التربيـة + سـنتان مـن التكويـن في المراكـز الجهويـة لمهـن التربيـة والتكويـن). وهكـذا، صـار كل مجهـود مـن أجـل الارتقـاء والتطـور عامـلاً مـن العوامـل
المعيقـة للارتقـاء بتربيـة جيـدة.
و لهذا ، تقـدم الهيئـة الوطنيـة للتقييـم لـدى المجلس
الأعـى للتربيـة والتكويـن والبحـث العلمـي في هـذا التقريـر
نتائـج دراسـة هدفهـا الرئيـس هـو تقييـم البرامـج والسياسـات
العموميـة المتعلقـة برجـال ونسـاء التعليـم مـن أجـل قيـاس
فعاليتهـا، وتماسـكها، وصلاحيتهـا؛ مـع إبـراز تصـورات الأسـاتذة.